فصل: باب القضاء فيمن هلك وله دين وعليه دين له فيه شاهد واحد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في الشهادات

1386- مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن ابيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابي عمرة الانصاري عن زيد بن خالد الجهني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏الا اخبركم بخير الشهداء الذي ياتي بشهادته قبل ان يسألها او يخبر بشهادته قبل ان يسالها‏)‏ قال ابو عمر اختلف على مالك في ابي عمرة هذا في اسناد هذا الحديث فقال فيه يحيى بن يحيى وبن القاسم وابو مصعب الزهري ومصعب الزبيري ‏(‏عن ابي عمرة الانصاري‏)‏ وقال القعنبي ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير ‏(‏عن بن ابي عمرة‏)‏ ‏(‏وكذلك قال بن وهب وعبد الرزاق عن مالك وسمياه فقالا عن عبد الرحمن بن ابي عمرة‏)‏ فرفعا الاشكال جودا في ذلك واصابا وبعيد ان يروي ابو عمرة الانصاري ‏(‏مع كبر سنه‏)‏ عن زيد بن خالد الجهني واما رواية ابنه عبد الرحمن بن ابي عمرة عنه فغير بعيدة ولا مرفوعة وعبد الرحمن بن ابي عمرة من خيار التابعين بالمدينة وقال بن وهب سمعت مالكا يقول في تفسير هذا الحديث انه الرجل تكون عنده الشهادة في الحق يكون للرجل ولا يعلم بذلك قبل فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان قال بن وهب وبلغني عن يحيى بن سعيد انه قال من دعي لشهادة عنده فعليه ان يجيب اذا علم انه ينتفع بها الذي يشهد له بها وعليه ان يؤديها ‏(‏لا يعلم بها صاحبها فليؤدها قبل ان يسال عنها‏)‏ ومن كانت عنده شهادة فانه كان يقال من افضل الشهداء شهادة رجل اداها قبل ان يسالها قال ابو عمر تفسير مالك لهذا الحديث حسن وتفسير يحيى بن سعيد نحوه واداء الشهادة بر وخير وقيام بحق فمن بدر إلى ذلك فله الفضل على غيره ممن لم يبدر بها قال الله عز وجل ‏(‏فاستبقوا الخيرات‏)‏ ‏[‏المائدة 48‏]‏‏.‏

ومعلوم انه ربما نسي صاحب الشهادة شهادة فضل معلوما لا يدري اين هو ولا من هو ويخاف ذهاب حقه فاذا اخبره الشاهد العدل بان له شهادة عنده فرج كربه وادخل السرور عليه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الاخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه‏)‏ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمران بن الحصين وغيره على ما ذكرناه في التمهيد انه قال صلى الله عليه وسلم ‏(‏خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم ياتي قوم يتسمنون ويحبون السمن يعطون الشهادة قبل ان يسالوها‏)‏ وهذا ليس بمعارض لحديث مالك في هذا الباب وقد فسر ‏(‏ابراهيم‏)‏ النخعي هذا الحديث فقال فيه كلاما معناه ان الشهادة ها هنا اليمين أي يحلف احدهما قبل ان يستحلف ويحلف حيث لا تراد منه يمين واليمين قد تسمى شهادة قال الله تعالى ‏(‏ذكره‏)‏ ‏(‏اربع شهادات بالله‏)‏ النور 6و8 أي اربع ايمان‏.‏

1387- مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن انه قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من اهل العراق فقال لقد جئتك لامر ما له راس ولا ذنب فقال عمر ما هو قال شهادات الزور ظهرت بارضنا فقال عمر او قد كان ذلك قال نعم فقال عمر والله لا يؤسر رجل في الاسلام بغير العدول قال ابو عمر اما شاهد الزور فقد جاء فيه ما يطول ذكره من ذلك ما ذكره البزار عن عباد بن يعقوب عن محمد بن فرات عن محارب بن دثار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏شاهد الزور لا ‏(‏تزول‏)‏ قدماه عن موضعه الذي شهد فيه حتى يتبوا مقعده من النار وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث خريم بن فاتك وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏عدلت شهادة الزور بالشرك بالله وقرا ‏(‏فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور‏)‏ ‏[‏الحج 30‏]‏‏.‏

واجمع العلماء ان شهادة الزور من الكبائر‏.‏

1388- مالك انه بلغه ان عمر بن الخطاب قال لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين قال ابو عمر حديث ربيعة هذا عن عمر وان كان منقطعا فقد قلنا ان اكثر العلماء من السلف قبلوا المرسل من احاديث العدول وقد وجدنا خبر ربيعة هذا من حديث ‏(‏المسعودي‏)‏ عن القاسم بن عبد الرحمن قال قال عمر بن الخطاب لا يؤسر رجل في الاسلام يشهد الزور ومعنى يؤسر أي يحبس لنفوذ القضاء عليه فهذا الحديث عن عمر عند المدنيين والكوفيين ‏(‏والبصريين‏)‏ والمسعودي هذا هو من ثقات محدثي الكوفة وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود يقولون انه كان اعلم الناس بعلم بن مسعود واختلط في اخر عمره وروى عن جماعة من جلة اهل الكوفة منهم الحكم بن عتيبة وحبيب بن ابي ثابت وعلي بن مدرك وروى عنه جماعة منهم شعبة والثوري ووكيع وابو نعيم واخوه ابو العميس واسمه عتبة بن عبد الله بن مسعود ‏(‏ثقة‏)‏ ايضا وحديث ربيعة هذا يدل على ان عمر رجع عن قوله ومذهبه الذي كتب به إلى ابي موسى وغيره من عماله ‏(‏وهو خبر لا ياتي الا عن اهل البصرة نخرجه عنهم وهو قوله‏)‏ ‏(‏ المسلمون عدول بينهم‏)‏ او قال ‏(‏عدول بعضهم على بعض الا خصما او ظنينا‏)‏ وقد كان الحسن البصري وغيره يذهب إلى هذا من قول عمر فيقبل شهادة كل مسلم على ظاهر دينه ويقول للمشهود عليه دونك فتخرج ان وجدت من يشهد لك فاني قد قبلتهم فيما شهدوا به عليك وهذا المذهب عن عمر مشهور قرات على ابي عبد الله - محمد بن ابراهيم - حدثكم محمد بن احمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن ايوب قال حدثنا احمد بن عمر بن عبد الخالق البزار قال سمعت ابي يقول حدثني فضيل بن عبد الوهاب قال حدثني ابو معشر عن سعيد بن ابي بردة عن ابيه - ابي بردة بن ابي موسى الاشعري قال كتب عمر بن الخطاب إلى ابي موسى الاشعري اعلموا ان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فالفهم الفهم اذا اختصم اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له اس بين الناس في وجهك حتى لا يياس ضعيف من عدلك ولا يطمع شريف في جورك والمسلمون عدول بعضهم على بعض الا خصما او ظنينا متهما ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم راجعت فيه نفسك غدا ان تعود إلى الحق فان الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل واعلم انه من تزين للناس بغير ما يعلم الله شانه الله ولا يضيع عامل الله فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وجزاء رحمته واخبرنا عبد الوارث قال حدثني القاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن ابي عمر العدني قال حدثني سفيان عن ادريس بن يزيد الاودي عن سعيد بن ابي بردة عن ابي موسى الاشعري عن ابيه ‏(‏قال كتب عمر بن الخطاب ‏(‏إلى أبي موسى الاشعري‏)‏ اما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم اذا اولي اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لانفاذ له اس بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا يياس ضعيف من عدلك الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك ليس في كتاب ولا سنة ثم قس الامور بعضها ببعض ثم انظر اشبهها بالحق واحبها إلى الله تعالى فاعمل به ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك ان تراجع الحق فان الحق قديم لا يبطله شيء وان مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل اجعل لمن ادعى حقا غائبا او بينة امدا ينتهي إليه فان احضر بينته إلى ذلك اخذت له حقه والا اوجبت عليه القضاء فانه ابلغ للعذر واجلى للعمى الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا او احل حراما والناس عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد او مجربا عليه شهادة زور او ظنينا في ولاء او قرابة فان الله قد تولى منكم السرائر ودفع عليكم بالبينات ثم اياك والقلق والضجر والتاذي بالناس والتنكر للخصوم التي يرى الله فيها الاجر ويحسن فيها الذكر فمن خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غيره شانه الله فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك ورحمة الله وهذا الخبر روي عن عمر ‏(‏بن الخطاب - رضي الله عنه‏)‏ من وجوه ‏(‏كثيرة‏)‏ من رواية اهل الحجاز واهل العراق واهل الشام ومصر والحمد لله قال ابو عمر قد كان الليث بن سعد يذهب نحو مذهب الحسن قال الليث ادركت الناس لا يلتمس من ‏(‏الشاهد‏)‏ تزكية انما كان الوالي يقول للخصم اذا كان عندك من تجرح شهادتهم ‏(‏فات بهم والا اجزنا شهادتهم‏)‏ عليك قال ابو عمر في قول الله عز وجل ‏(‏واشهدوا ذوى عدل منكم‏)‏ ‏[‏الطلاق 2‏]‏‏.‏

وقوله ‏(‏ممن ترضون من الشهداء‏)‏ ‏[‏البقرة 282‏]‏‏.‏

دليل على انه لا يجوز ان يقبل الا العدل الرضي وان من جهلت عدالته لم تجز شهادته حتى تعلم الصفة ‏(‏المشترطة‏)‏ وقد اتفقوا في الحدود والقصاص وكذلك كل شهادة وبالله التوفيق واختلف الفقهاء في ‏(‏المسالة عن‏)‏ الشهود الذين لا يعرفهم القاضي فقال مالك لا يقضي ‏(‏القاضي‏)‏ بشهادتهم حتى يسال عنهم في السر‏.‏

وقال الشافعي يسال عنهم في السر فإذا عدلوا سال عن تعديلهم علانية ليعلم المعدل سرا احق ذاك ام لا لانه وافق اسم اسما ونسب نسبا وقال ابو حنيفة لا يسال عن الشهود ‏(‏في السر‏)‏ الا ان يطعن فيهم الخصم الا في الحدود والقصاص وقال ابو يوسف يسال عنهم في السر والعلانية ويزكيهم في العلانية وان لم يطعن عليهم الخصم وروي عن علي بن عاصم عن بن شبرمة قال اول من سال في السر اذا كان الرجل ياتي بالقوم اذا قيل له هات من يزكيك فيستحي القوم منه فيزكونه فلما رايت ذلك في السر فاذا صحت شهادته قلت هات من يزكيك في العلانية‏.‏

باب القضاء في شهادة المحدود

1389- مالك انه بلغه عن سليمان بن يسار وغيره انهم سئلوا عن رجل جلد الحد اتجوز شهادته فقالوا نعم اذا ظهرت منه التوبة مالك انه سمع بن شهاب يسال عن ذلك فقال مثل ما قال سليمان بن يسار قال مالك وذلك الامر عندنا وذلك لقول الله تبارك وتعالى ‏(‏والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم‏)‏ ‏[‏النور 4‏]‏‏.‏

5 قال مالك فالامر الذي لا اختلاف فيه عندنا ان الذي يجلد الحد ثم تاب واصلح تجوز شهادته وهو احب ما سمعت الي في ذلك قال ابو عمر هذا يدل على انه قد سمع الاختلاف في هذه المسالة قال ابو عمر ذهب بن وهب في ‏(‏موطئه‏)‏ إلى ما ذكره مالك على حسب ما ذكرته هنا ثم قال اخبرني مخرمة بن بكير بن الاشج عن ابيه عن سليمان بن يسار وبن قسيط مثله في شهادة المفتري فدل ما ذكره بن وهب على ان مالكا اخذه بذلك والله اعلم - عن مخرمة بن بكير انه من كتب ابيه بكير وقد كان مالك يستعيرها منه كثيرا ويقول كان بكير من علماء الناس قال بن وهب واخبرني مالك والليث ويونس عن بن شهاب بمثله - يعني ما ذكره مالك عنه قال واخبرني الليث انه سال يحيى بن سعيد وربيعة عن المحدود اذا تاب اتجوز شهاداته فقالا اذا تاب جازت شهادته قال واخبرني الليث عن توبه بن نمر الحضرمي القاضي بمصر كان يرد شهادة القذف وان تاب قال الليث فذكرت ذلك ليحيى بن سعيد وبن شهاب وربيعة فكلهم راى ان من تاب من الحدود كلها جازت شهادته قال الليث وهو احب الي قال بن وهب‏.‏

وحدثني خالد بن يزيد عن بن قسيط انه قال شهادة الزاني والسارق جائزة وان اقيم عليهما الحد اذا راي منهما اقبال على الخير وتوبة حسنة قال ابو عمر قال مالك ان احسن ما سمع في شهادة المحدود والمحدود في القذف وسائر الحدود عنده سواء - تقبل شهادته اذا تاب وحسنت توبته وقد تقدم من قوله انه لا اختلاف فيه عندهم‏.‏

وقال الشافعي لا اعلم خلافا بين اهل الحرمين في ان القاذف اذا تاب قبلت شهاته قال ابو عمر قول مالك ها هنا في شهادة المحدود انها تقبل اذا تاب - معناه عنده في المشهور من مذهبه انه لا تقبل فيما حد فيه - قذفا كان او غيره - وتقبل فيما سوى ذلك اذا كان عدلا وحسنت حالته هذه رواية بن القاسم وغيره عنه وهو قول بن الماجشون ومطرف وسحنون لانه يتهم في ذلك وروى عنه بن نافع انه إذا حسنت حالته قبلت شهادته في كل شيء وبه قال بن نافع وبن كنانة وذكره بن عبد الحكم عن مالك وبه يقول سائر ائمة الفتيا ان الحدود اذا تاب قبلت شهادته في كل ما شهد به وممن قال ان القاذف اذا تاب واصلح قبلت شهادته بن عباس وعطاء ورواية عن بن جبير ذكرها بن المبارك عن يعقوب عن محمد بن زيد عنه قال تجوز شهادة القاذف اذا تاب ورواية عن مجاهد ذكر الشافعي قال حدثني إسماعيل بن علية عن بن ابي نجيح في القاذف اذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا نقوله قلت من قال عطاء وطاوس ومجاهد ورواية عن عكرمة رواها يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن عكرمة انه كان يقول في القاذف اذا تاب قبلت شهادته وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه يقضي ويكتب إلى البلدان وقال به من اهل العراق مسروق وعبد الله بن عتبة والشعبي ومحارب بن دثار واليه ذهب مالك والشافعي واصحابهما واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور واختلف القائلون بهذه المقالة في توبة القاذف اذا حد ما هي فقال مالك اذا تاب واصلح وحسنت حالة قبلت شهادته اكذب نفسه او لم يكذب‏.‏

وقال الشافعي توبته ان يكذب نفسه بلسانه كما كان القذف بلسانه وكذلك المرتد كان كفره بلسانه فلا تقبل توبته الا بالايمان حتى ينطق بها بلسانه وقال إسماعيل بن إسحاق انما تفترق توبة المحدود في القذف وتوبة غيره من المحدودين ان توبة القاذف لا تكون حتى يكذب نفسه واكذابه كلام يتكلم به واذا تكلم به واصلح في حاله قبلت شهادته وليس سائر المحدودين كذلك قال ابو عمر قول إسماعيل هذا كقول الشافعي ‏(‏سواء‏)‏ وهو قول عمر ‏(‏بن الخطاب‏)‏ في جماعة الصحابة من غير نكير وروى ‏(‏سفيان‏)‏ بن عيينة عن الزهري عن ‏(‏سعيد‏)‏ بن المسيب عن عمر ‏(‏بن الخطاب - رضي الله عنه‏)‏ - انه قال لابي بكرة ان تبت قبلت شهادتك فابى ابو بكرة ان يكذب نفسه وروى ‏(‏محمد‏)‏ بن إسحاق عن الزهري عن ‏(‏سعيد‏)‏ بن المسيب ان عمر ‏(‏بن الخطاب‏)‏ جلد ابا بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد فاما هذان فتابا وقبل عمر شهادتهما واستتاب ابا بكرة فابى واقام على قوله فلم يقبل شهادته وكان افضل القوم وروى الزهري وابراهيم بن ميسرة عن سعيد بن المسيب قال شهد على المغيرة ثلاثة رجال ونكل زياد فجلد عمر الثلاثة وقال لهم توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجلان وابى ابو بكرة فلم تقبل شهادته حتى مات قال ابراهيم بن ميسرة في حديثه وكان قد عاد مثل النصل من العبادة وفي حديث الزهري قال وكان ابو بكرة اخا زياد لامه فلما كان من امره ما كان حلف ابو بكرة الا يكلمه ابدا فلم يكلمه حتى مات قال الزهري توبته ان يكذب نفسه ذكر الخبر عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن ابراهيم بن ميسرة عن سعيد بن المسيب ‏(‏وعن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وروى بن وهب عن يونس بن يزيد عن بن شهاب قال وقد اجاز عمر شهادة من تاب من الذين شهدوا على المغيرة وابطل شهادة من لم يتب وممن قال ان توبة القاذف اذا جلد ان يكذب نفسه طاوس وعطاء و‏(‏سعيد‏)‏ بن المسيب والشعبي و‏(‏بن شهاب‏)‏ الزهري قال معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال توبته ان يكذب نفسه وقاله الزهري ‏(‏وبه قال‏)‏ احمد واسحاق وابو ثور وابو عبيد وقال ‏(‏سفيان‏)‏ الثوري وابو حنيفة واصحابه واكثر اهل العراق لا تقبل شهادة القاذف ابدا تاب او لم يتب لقول الله تعالى ‏(‏ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون‏)‏ ‏[‏النور 4‏]‏‏.‏

وقالوا توبته فيما بينه وبين ربه والاستثناء عندهم في قوله ‏(‏الا الذين تابوا‏)‏ ال عمران 89 راجع إلى قوله ‏(‏فان الله غفور رحيم‏)‏ ال عمران 89 لا إلى قبول الشهادة وممن قال لا تقبل شهادة القاذف المجلود ابدا شريح القاضي روي ذلك عنه من وجوه وبه قال ‏(‏ابراهيم‏)‏ النخعي وحماد بن ابي سليمان والحكم بن عتيبة ومعاوية بن قرة ومكحول ورواية عن سعيد ‏(‏بن المسيب والحسن رواها حماد بن سلمة عن قتادة عنهما وما تقدم‏)‏ عن سعيد من رواية الزهري وابراهيم بن ميسرة اثبت والله اعلم وقد روى سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن الحسن قال لا تقبل شهادة القاذف ابدا وتوبته فيما بينه وبين ربه ورواية عن عكرمة خلاف ما تقدم عنه رواها يعلى بن حكيم ‏(‏عنه‏)‏ ورواية عن ‏(‏بن شهاب‏)‏ الزهري رواها بن وهب عن يونس ‏(‏عن بن شهاب‏)‏ قال اذا جلد قاذف الحر او الحرة لم تقبل ‏(‏له شهادة حتى يموت وقد يحتمل قول بن شهاب ان يكون اراد لم تقبل شهادته ابدا‏)‏ حتى يكذب نفسه لا ينفعه غير ذلك من حاله وبهذا تتفق الروايات عنه لان الثقات قد نصوا عنه انه لا تقبل له شهادة حتى يكذب نفسه وقد روي في حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال ‏(‏لا تجوز شهادة محدود ولا محدودة في الاسلام‏)‏ وقد روي هذا الحديث مرفوعا لكنه لم يرفعه من روايته حجة وذكر ابو يحيى الساجي قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني الوليد عن الاوزاعي وبن جابر وسعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال الحر اذا جلد الحد في الفرية لم تقبل شهادته ابدا والعبد اذا جلد حدا في فرية على حر او حرة لم تقبل شهادته ابدا لقول الله تعالى ‏(‏ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا‏)‏ ‏[‏النور 4‏]‏‏.‏

قال فاما اليهودي والنصراني اذا جلدا حد الفرية على الحر المسلم ثم اسلما قبلت شهادتهما واختلفوا في شهادة القذف اذا شهد قبل ان يجلد فروى بن وهب وغيره عن مالك انه تقبل شهادته ما لم يجلد وبه قال بن القاسم واشهب وهو قول ابي حنيفة واصحابه قال ابو عمر لانه على اصل عدالته وربما اقام البينة بما قال او اعترف له مقذوفه وهو حق لا يجب الا حين يطلبه صاحبه فلا وجه لاسقاط شهادته والله اعلم وقال الليث والشافعي واصحابه وهو قول عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون لا تقبل شهادة القذف قبل الجلد ولا بعده اذا قذف حرا مسلما الا ان يتوب قال بن وهب سمعت الليث بن سعد يسال عن القاذف يشهد قبل ان يضرب الحد هل تجوز شهادته فقال اذا قذف لم تقبل له شهادة حتى يتوب ‏(‏ضرب‏)‏ الحد او عفي عنه ذلك سواء قال بن وهب وخالفه مالك فقال شهادته جائزة ما لم يضرب الحد فان ضرب سقطت شهادته حتى يتوب توبة ظاهرة قال الشافعي هو قبل ان يحد شر منه بعد لان الحدود كفارات فكيف تقبل شهادته في شر حالتيه وترد في ‏(‏احسن حالتيه قال ابو عمر انما جعل الله الذين يرمون المحصنات فاسقين برميهم لهن لا بجلدهم والمحصنون في حكم المحصنات باجماع ‏(‏وكذلك‏)‏ وكل مؤمن محمول على العفاف حتى يصح غيره وقذف المؤمن من الكبائر فمن قذفه سقطت شهادته حتى تصح براءته والله اعلم وبالله التوفيق‏.‏

باب القضاء باليمين مع الشاهد

1389- م - مالك عن جعفر بن محمد عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال ابو عمر هكذا هذا الحديث في الموطا مرسل عند جميع ‏(‏الرواة‏)‏ وقد رواه عن جعفر بن محمد مسندا جماعة ثقات منهم ‏(‏عبيد الله‏)‏ بن عمر وعبد الوهاب ‏(‏بن عبد المجيد‏)‏ الثقفي ومحمد بن عبد الرحمن بن رداد المدني ويحيى بن سليم الطائفي وابراهيم بن ابي حية كل هؤلاء رووه عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الاسانيد عنهم بذلك في التمهيد ورواه ‏(‏سفيان بن عيينة‏)‏ عن جعفر بن محمد عن ابيه مرسلا كما رواه مالك ورواه بن عيينة ايضا عن خالد بن ابي كريمة سمع ابا جعفر - محمد بن علي بن حسين - يقول قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة الشاهد ويمين المدعي وكذلك رواه الحكم بن عتيبة وعمر بن دينار جميعا عن محمد بن علي مرسلا وفي اليمين مع الشاهد ‏(‏اثار‏)‏ مرفوعة حسان اصحها حديث بن عباس رواة كلها ثقات اثبات رواه سيف بن سليمان المكي عن قيس بن سعد المكي عن عمرو بن دينار عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وقد ذكرناه من طرق عن سيف بن سليمان في ‏(‏التمهيد‏)‏ وقال يحيى القطان سيف بن سليمان ثبت ما رايت احفظ منه وقال احمد بن شعيب النسائي اسناد حديث بن عباس في اليمين مع الشاهد اسناد جيد وقيس ثقة وخرجة مسلم ولم يذكره البخاري وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد من حديث ابي هريرة وحديث زيد بن ثابت الا ان حديث ابي هريرة اكثر طرقا واصح نقلا وحديث زيد بن ثابت وهم من زهير بن محمد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد ايضا من حديث سعد بن عبادة ومن حديث عمرو بن حزم وحديث سعد بن عبادة اكثر تواترا وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ايضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من رواية عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وروي ايضا من حديث رجل من الصحابة يقال له سرق عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد وكلها لها طرق متواترة وقد ذكرناها باسانيدها في ‏(‏التمهيد‏)‏ والحمد لله كثيرا وروي عن جماعة من الصحابة انهم قضوا باليمين مع الشاهد ولم يرو عن احد منهم انه كره ذلك وروي عن جماعة من التابعين القضاء باليمين مع الشاهد منهم الفقهاء السبعة المدنيون وابو سلمة وسالم بن عبد الله بن عبد الرحمن وعلي بن حسين وابو جعفر - محمد بن علي وعمر بن عبد العزيز وهو قول جمهور العلماء بالمدينة والى ذلك ذهب مالك والشافعي واصحابهما وبه قال احمد واسحاق وابو ثور وابو عبيد وداود بن علي لم يختلف عن مالك ولا عن احد من اصحابه في ذلك وله احتج مالك في موطئه ولم يحتج فيه بمسالة غيرها كاحتجاجه لها ولا يعرف من مذهب المالكيين غير ذلك الا عندنا بالاندلس فان يحيى بن يحيى تركه وزعم انه لم ير الليث يفتي به ولا يذهب إليه وكان مالك - رحمه الله - يقول يقضى باليمين مع الشاهد في كل البلدان ويحملون عليه قال ولا يقضى بالعهدة في الرقيق الا بالمدينة او بين قوم يشترطونها بينهم في سائر الافاق وروى ابو ثابت عن بن نافع قال سئل مالك عن شهادة الرجل مع يمين صاحب الحق اترى ان يحمل الناس عليه بكل البلاد قال نعم وقال بن القاسم من اقام شاهدين على الغريم واقام اخر عليه شاهدا ويمينا فهما سواء في اسوة الغرماء قال ابو عمر قد كان جماعة من جلة العلماء يفتون ويقضون باليمين مع الشاهد اتباعا للسنة في ذلك روى حماد بن زيد عن ايوب عن محمد بن سيرين ان شريحا اجاز شهادة رجل واحد مع يمين الطالب قال حماد‏.‏

وحدثني عبد المجيد بن وهب قال شهدت يحيى بن يعمر قضى بذلك وروى هشيم قال اخبرنا حصين عن عبد الله بن عتبة مثله وروى محمد بن عبد الله الانصاري عن الاشعث عن الحسن مثله وروى حماد بن زيد عن خالد ان اياس بن معاوية اجاز شهادة عاصم الجحدري وحده - يعني - مع يمين الطالب ‏!‏ وروى هشيم قال اخبرنا المغيرة عن الشعبي قال اهل المدينة يقولون شهادة الشاهدة ويمين الطالب ونحن لا نقول ذلك وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري والاوزاعي لا يقضى باليمين مع الشاهد الواحد في شيء من الاشياء وهو قول ابراهيم والحكم بن عتيبة وعطاء واختلف فيه عن الزهري فروي عنه انه اذا ولي القضاء قضى به والاشهر ‏(‏عنه‏)‏ رده قال معمر سالت الزهري ‏(‏عن اليمين مع الشاهد‏)‏ فقال هذا شيء احدثه الناس لا بد من شاهدين هذه رواية عبد الرزاق عن معمر وقد حدثني خلف ‏(‏بن قاسم قال حدثني ‏(‏بن‏)‏ المفسر - ابو احمد - بمصر قال حدثني احمد بن علي بن سعيد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني هشام بن ‏(‏يوسف‏)‏ عن معمر عن الزهري قال ادركت العلماء وهم ‏(‏لا‏)‏ يجيزون ‏(‏الا‏)‏ شهادة عدلين ثم اخذت الناس شهادة رجل واحد ‏(‏ويمين صاحب الحق قال معمر وسمعته يقول لا تجوز شهادة رجل واحد مع يمين‏)‏ وقال عطاء اول من قضى به عبد الملك بن مروان وقال محمد بن الحسن يفسخ القاضي القضاء به لانه خلاف القران قال ابو عمر هذا جهل وعناد وكيف يكون خلاف القرآن وهو زيادة بيان كنحو نكاح المراة على عمتها وعلى خالتها مع قوله عز وجل ‏(‏واحل لكم ما وراء ذلكم‏)‏ ‏[‏النساء 24‏]‏‏.‏

مثل ذلك المسح على الخفين مع ما ورد به القران من مسح الرجلين او غسلهما وكتحريم الحمر الاهلية وكل ذي ناب من السباع مع قوله تعالى ‏(‏قل لا اجد في ما اوحى إلي محرما على طاعم يطعمه‏)‏ الاية الانعام 145 وكذلك ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمين مع الشاهد مع قوله تعالى ‏(‏واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان‏)‏ ‏[‏البقرة 282‏]‏‏.‏

بل هذا بين واضح لان قوله عز وجل ‏(‏فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان‏)‏ ‏[‏البقرة 282‏]‏‏.‏

ليس فيه دليل على انه لا يجوز القضاء بغير ذلك لان القضاء باليمين مع الشاهد لا يمنع القضاء بالشهيدين وبالرجل والمراتين بل كل ذلك من حكم ‏(‏الله عز وجل‏)‏ وشريعة دينه ‏(‏في كتابه‏)‏ وعلى سنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد اجمع العلماء على القضاء باقرار المدعى عليه وليس ذلك في الاية والذين يرفعون اليمين مع الشاهد يقضون بنكول المدعى عليه مع اليمين وليس ذلك في الاية ويقضون معاقد القمط وانصاف اللبن والجزوع الموضوعة في الحيطان وليس ذلك ولا شيء منه في محكم القران فاليمين مع الشاهد اولى بذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به وسنة لامته ومن حجة ابي حنيفة واصحابه ان قالوا ‏(‏اليمين‏)‏ انما جعلت للنفي لا للاثبات وانما جعلها النبي صلى الله عليه وسلم على المدعى عليه لا على المدعي فالجواب عن ذلك ان الوجه الذي منه علمنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه من مثله ‏(‏علمنا‏)‏ انه قضى باليمين مع الشاهد وفيه الاسوة الحسنة‏.‏

1390- مالك عن ابي الزناد ان عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو عامل على الكوفة ان اقض باليمين مع الشاهد‏.‏

1391- مالك انه بلغه ان ابا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا هل يقضى باليمين مع الشاهد فقالا نعم واما قول مالك في هذا الباب ومن الناس من يقول لا يكون اليمين مع الشاهد ويحتج بقول الله تعالى ‏(‏فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان‏)‏ ‏[‏البقرة 282‏]‏‏.‏

فلا يحلف احد مع شاهده قال مالك فمن الحجة على من قال ذلك ان يقال ‏(‏له‏)‏ ارايت لو ان رجلا ادعى على رجل مالا اليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه فان حلف بطل ذلك عنه وان نكل عن اليمين حلف صاحب الحق ان حقه لحق وثبت حقه على صاحبه‏)‏ فهذا ما لا اختلاف فيه عند احد من ‏(‏الناس‏)‏ ولا ببلد من البلدان إلى اخر الباب قال ابو عمر ليس في قول الله عز وجل ‏(‏فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان‏)‏ ما يقضي على الا يحكم الا بهذا بل المعنى فيه ان يحكم بهذا وبكل ما يجب الحكم به من الكتاب والسنة وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء باليمين مع الشاهد فكان زيادة بيان على ما وصفنا واما قوله ‏(‏وهذا ما لا خلاف فيه عند احد من الناس ولا ببلد من البلدان‏)‏ فقد ظهر من علم مالك باختلاف من قضى قبله ما يوجب ان لا يظن احد به جهل مذهب الكوفيين في الحكم بالنكول دون رد يمين وانما اراد - والله اعلم - ان من قال اذا نكل المدعى عليه عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي وكان أحرى ان يحكم عليه بالنكول ويمين الطالب لانها زيادة على مذهبه كما لو قال قائل ان العلماء قد اجمعوا على ان مدين تجزئ في كفارة اليمين كان قولا صحيحا لان من قال يجزئ المد كان احرى ان يجزئ عنه المدان هذا ما اراد والله اعلم اما اختلافهم في الحكم بالنكول فقال مالك واصحابه اذا نكل المدعي عليه عن اليمين حلف المدعي وان لم يدع المطلوب إلى يمين ولا يقضى له بشيء حتى يحلف وهو قول الشافعي لانه لا يقضي على الناكل عن اليمين بحق الطالب الا ان يحلف الطالب‏.‏

وقال الشافعي ولو رد المدعى عليه اليمين على الطالب فقلت له احلف ثم بدا للمدعى عليه فقال انا احلف لم اجعل ذلك له لاني قد ابطلت ان يحلف وجعلت اليمين قبله قال ابو عمر من راى رد اليمين في الاموال حديث القسامة لان رسول الله رد فيها اليمين على اليهود اذ ابى الانصار منها وليس بالاموال اعظم حرمة من الدماء وهو قول الحجازيين وطائفة من العراقيين وهو الاحتياط لان من لا يوجب رد اليمين لا يبطل الحكم بها مع النكول وقال بن ابي ليلى اذا ‏(‏نكل‏)‏ المدعى عليه انا ارد اليمين عليه رددتها عليه اذا كان يتهم فان لم يتهم لم اردها عليه وروي عنه انه يردها بغير تهمة واما ابو حنيفة واصحابه فقالوا اذا نكل المطلوب عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي ولا ترد اليمين على المدعى ومن حجة من ذهب إلى هذا ان عبد الله بن عمر اذا نكل عن اليمين في عيب الغلام للذي باعة قضى عليه عثمان بالنكول وقضى هو على نفسه بذلك وهذا لا حجة فيه لان بن عمر يحتمل فعله انه لما اوجب عليه عثمان اليمين لقد باع الغلام وما به اذى يعلمه كره اليمين فاسترجع العبد فكأنه اقاله فيه كراهية لليمين وليس في الحديث تصريح بالحكم بالنكول واحتج من ذهب مذهب الكوفيين في ذلك بحديث بن ابي مليكة عن بن عباس انه جاوبه في المراتين ادعت احداهما على الاخرى انها اصابت يدها باشفى وانكرت فكتب إليه بن عباس ان ادعها واقرأ عليها ‏(‏ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا‏)‏ الاية ال عمران 77 فان حلفت فخل عنها وان لم تحلف فضمنها قال ابو عمر الاستدلال من الحديث المسند اولى وبالله التوفيق لا شريك له ومن حجتهم ايضا ان النبي جعل البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه لا سبيل إلى نقل البينة إلى المدعى عليه ولا إلى نقل اليمين إلى المدعي قال ابو عمر هذا لا يلزم لان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سن رد اليمين على المدعي في القسامة واستعمال النصوص اولى من تأويل لم يتابع صاحبه عليه وهذا قياس صحيح وهو اصلهم جميعا في القول بالقياس قال مالك مضت السنة في القضاء باليمين مع الشاهد الواحد يحلف صاحب الحق مع شاهده ويستحق حقه فان نكل وابى يحلف احلف المطلوب فان حلف سقط عنه ذلك الحق وان ابى ان يحلف ثبت عليه الحق لصاحبه قال مالك وانما يكون ذلك في الاموال خاصة ولا يقع ذلك في شيء من الحدود ولا في نكاح ولا في طلاق ولا في عتاقة ولا في سرقة ولا في فرية قال ابو عمر هكذا قال عمرو بن دينار وهي رواية حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو وذلك في الاموال واجمع القائلون باليمين مع الشاهد من الحجازيين وغيرهم بأنه لا يقضي فيه بشهادة النساء مع الرجال دون ما عداها على ما ذكره مالك رحمه الله اخبرنا احمد بن عبد الله بن محمد بن علي قراءة مني عليه قال حدثني الميمون بن حمزة قال حدثني الطحاوي قال حدثني المزني قال حدثني الشافعي‏.‏

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني عبد الرحمن بن يعقوب بن إسحاق بن ابي عباد قالا حدثني عبد الله بن الحارث قال حدثني سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن بن عباس ان رسول الله قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو في الاموال خاصة‏.‏

وحدثني ابراهيم بن شاكر ومحمد بن ابراهيم قالا اخبرنا محمد بن احمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن ايوب قال حدثني احمد بن عمرو بن الخالق البزار قال حدثني عبدة بن عبد الله ورزق الله بن موسى قالا حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو بن دينار في الاموال خاصة قال البزاز سيف بن سليمان وقيس بن سعد ثقتان ومن بعدهما يستغنى عن ذكرهما لشهرتهما في الثقة والعدالة كثيرا قال ابو عمر روى هذا الحديث عن سيف بن سليمان جماعة وعن زيد بن الحباب جماعة منهم ابو بكر بن ابي شيبة وابو كريب محمد بن العلاء والحسن بن شاذان وقد ذكرنا الاسانيد عنهم في ‏(‏التمهيد‏)‏ وذكره عبد الرزاق قال اخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد قال ابو عمر راى مالك رحمه الله - ان يحلف الرجل مع شهادة امراتين في الاموال ويستحق حقه كما يحلف مع الشاهد الواحد فكأنه جعل اليمين مقام الشاهد والمراتين معه فكأنه قضى برجل وامراتين قال الشافعي لا يحلف مع شهادة امراتين لان شهادة النساء دون الرجال لا تجوز في الاموال وانما يحلف الرجل مع الشاهد الواحد ‏(‏كما‏)‏ جاء في الحديث قال ‏(‏وفي معنى السنة ان تحلف المراة مع شاهدها كما يحلف الرجل فلو اخذنا شهادة المراتين مع يمينهما كما قد قضينا بخلاف السنة المجتمع عليها في شهادة النساء دون الرجال في الاموال ويلزم من قال هذا ان يجيز اربعا من النساء في الاموال‏)‏ فاتى في هذا بكلام كثير حسن كله ذكره المزني والربيع عنه‏.‏

وقال الشافعي ‏(‏وكل ما كان من الاموال المتنقلة من ملك مالك إلى ملك مالك قضى فيه باليمين مع الشاهد عندهم في طلاق ولا عتق ولا فيما عدا الاموال على ما وصفنا واما من لا يقول باليمين مع الشاهد فهو أحرى بذلك ولكن الشافعي ومن قال بقوله موجبون اليمين وردها في كل دعوى مال وغير مال طلاقا كان او عتقا او نكاحا او دما الا ان يكون مع مدعي الدم دلالة كدلالة الجاريتين على يهود خيبر فيدعى حينئذ المدعون بالايمان وتكون قسامة وان لم تكن دلالة حلف المدعى عليه كما يحلف فيما سوى الدم وقول ابي حنيفة في دعوى المراة الطلاق وقول العبد العتق كقول الشافعي يستحلف السيد والزوج لهما الا انه يقضي عليهما بالنكول دون يمين على مذهبهم في ذلك‏.‏

وقال الشافعي ولو ادعى انه نكح امراة لم اقبل دعواه حتى يقول نكحتها بولي وشاهدي عدل ورضاها فان حلفت برئت وان نكلت حلف وقضى لها بأنها زوجته واختلف الفقهاء في تحليف زوج المراة المدعية للطلاق وتحليف سيد العبد المدعي للعتق عليه سيده هل تجب اليمين على السيد او الزوج بمجرد الدعوى من المراة او العبد ام لا فقال مالك لا يمين على الزوج ولا على السيد حتى تقيم المراة شاهدا واحدا عدلا بأنه طلقها او يقيم العبد شاهدا عدلا بأن سيده اعتقه فاذا كان كذلك وجبت اليمين على سيد العبد في دعوى العتق وعلى الرجل لامرأته في دعوى الطلاق وهذا نحو قوله رحمه الله في الخلطة لانه لم يوجب يمينا للمدعي على المدعى عليه بمجرد الدعوى حتى تثبت الخلطة بينهما وقال ابو حنيفة والشافعي وجمهور العلماء ‏(‏ان اليمين‏)‏ واجبة على زوج المراة المدعية بالطلاق وعلى سيد العبد المدعي للعتق بمجرد الدعوى ولا تجب عند الشافعي يمين مع شاهد في غير الاموال واما الكوفيون فلا يقولون باليمين مع الشاهد في الاموال ولا في غيرها على ما تقدم عنهم واختلف اصحاب مالك في معنى هذه المسألة في الذي شهد عليه شاهد واحد لزوجته انه طلقها او لعبد انه اعتقه فأبى من اليمين فقال بن القاسم عن مالك يحبس حتى يحلف قال وقد كان مالك يقول يعتق عليه العبد وتطلق عليه الزوجة اذا ابى ونكل عن اليمين ثم رجع إلى ما قلت لك وقال بن القاسم ويقول الاخر اقول وقال اشهب اذا ابى من اليمين طلق عليه واعتق عليه وعن بن القاسم ايضا قال اذا طال سجنه اطلق ورد إلى زوجته قال وارى ان الطول في سجنه عام وقال بن نافع يسجن ويضرب له اجل الايلاء ولمالك في هذا الباب تنظير مسائل على ما ذهب إليه فيه احتجاجا لمذهبه يرد الاختلاف عليها ومذاهب العلماء فيها في موضعها ان شاء الله تعالى وبالله التوفيق‏.‏

باب القضاء فيمن هلك وله دين وعليه دين له فيه شاهد واحد

1392- مالك في الرجل يهلك وله دين عليه شاهد واحد وعليه دين للناس لهم فيه شاهد واحد فيأبى ورثته ان يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم قال فان الغرماء يحلفون ويأخذون حقوقهم فان فضل فضل لم يكن للورثة منه شيء وذلك ان الايمان عرضت عليهم قبل فتركوها الا ان يقولوا لم نعلم لصاحبنا فضلا ويعلم انهم انما تركوا الايمان من اجل ذلك فاني ارى ان يحلفوا ويأخذوا ما بقي بعد دينه قال ابو عمر خالفه في هذه المسألة طائفتان احداهما من يقول باليمين مع الشاهد والاخرى الدافعة باليمين مع الشاهد وهي بذلك أحرى فأما الشافعي فيحلف عنده الوارث مع الشاهد الذي لموروثه على دينه ولا يجوز عنده ان يحلف الغريم ولكن اذا حلف الورثة كان الغرماء احق بالمال لانه لا ميراث الا بعد اداء الدين ذكرالمزني عن الشافعي قال ولو أتى قوم بشاهد واحد أن لأبيهم على فلان حقا أو أن فلانا أوصى لهم فمن حلف منهم مع شاهده استحق موروثه ووصيته دون من لم يحلف وان كان بعضهم غائبا أو صغيرا حلف ‏(‏الحاضر‏)‏ البالغ واخذ حقه وإن كان معتوها فهو على حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فيقوم وارثه مقامه يحلف ‏(‏ويستحق‏)‏ ولا يستحق احد بيمين لاخيه لان كلا انما يقوم الميت فيما ورث عنه كما لو كان لرجلين على رجل الفا درهم واقاما عليه شاهدا فحلف احدهما لم يستحق إلا الالف وهي التي يملك ولا يحلف احد على ملك غيره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما قضى باليمين لصاحب الحق قال الشافعي وان كان الورثة بالغين وابوا ان يحلفوا فان ‏(‏صاحبنا قال‏)‏ يحلف غرماء الميت وياخذون حقوقهم ولا ياخذ من ابى اليمين من الورثة شيئا الا ان يقولوا فذكر كلام مالك إلى اخره في ‏(‏الموطا‏)‏ قال الشافعي وهذا مذهب واحسبه ذهب إلى ان الغريم احق بالمال من ‏(‏الورثة‏)‏ فيحلف وياخذ حقه قال الشافعي وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لمن اقام شاهدا الحق له على اخر بيمينه واخذ حقه فانما اعطى باليمين من شهد له باصل الحق وانما جعلت للوارث اليمين لان الله تعالى نقل ملك الميت إلى الوارث فجعل يقوم فيه مقامه بقدر ما فرض له قال وليس الموصى له ولا الغريم من الوارث بسبيل الا ترى ان الغريم لا يلزمه من نفقة العبيد الذين تركهم المتوفى شيء وان الغريم لو حلف وطرا للميت مال كان للوارث ان يقضي دين الغريم من غير المال الذي حلف عليه قال ابو عمر اكثر الشافعي في هذا الباب فنقلت منه ما بالناظر في هذا الكتاب حاجة إليه وهو قول احمد واسحاق وابي ثور قال مالك واذا هلك رجل وعليه دين يغترف ماله فابى الوارث ان يحلف مع الشاهد لم يكن للغريم ان يحلف مع شاهد الميت ويستحق وان حلف الوارث مع الشاهد حكم بالدين ودفع إلى الغريم‏.‏

باب القضاء في الدعوى

1393- مالك عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن انه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضي بين الناس فاذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقا نظر فان كانت بينهما مخالطة او ملابسة احلف الذي ادعي عليه وان لم يكن شيء من ذلك لم يحلفه قال مالك وعلى ذلك الامر عندنا انه من ادعى على رجل بدعوى نظر فان كانت بينهما مخالطة او ملابسة أحلف المدعى عليه فان حلف بطل ذلك الحق عنه وان ابى ان يحلف ورد اليمين على المدعي فحلف طالب الحق اخذ حقه قال ابو عمر قد مضى القول في رد اليمين واختلف الفقهاء في اليمين على المدعي عليه هل تجب بمجرد الدعوى دون خلطة او ملابسة تكون بين المتداعيين ام لا فالذي ذهب إليه مالك واصحابه ما ذكره عمر بن عبد العزيز في ‏(‏الموطا‏)‏ ان اليمين لا تجب ‏(‏الا‏)‏ بالخلطة وهو قول جماعة من علماء المدينة ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية عن القاسم بن محمد قال اذا ادعى الرجل الفاجر على الرجل الصالح شيئا يعلم الناس انه فيه كاذب ولا يعلم انه كان بينهما اخذ ولا اعطاء لم يستحلف قال‏.‏

وحدثنا بن ابي اويس عن ابي الزناد قال كان عمر بن عبد العزيز يقول انا - والله لا نعطي اليمين كل من طلبها ولا نوجبها الا بشبيه بما يوجب به المال قال ابو الزناد ‏(‏يريد بذلك‏)‏ المخالطة واللطخ والشبه قال وذلك الامر عندنا قال ابو عمر المعمول به عندنا ان من عرف بمعاملة الناس مثل التجار بعضهم لبعض ومن نصب نفسه للشراء والبيع من غريب وغيره وعرف به فاليمين عليه بمن ادعى معاملته ومداينته فيما يمكن وما كان بخلاف هذه الحال مثل المراة المشهورة المحتجبة والرجل المستور المنقبض عن مداخلة المدعى عليه وملابسته فلا تجب اليمين عليه الا بخلطة وفي الاصول ان من جاء بما لا يشبه ولا يمكن في الاغلب لم تقبل دعواه اخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني قبيصة بن عقبة قال حدثني ‏(‏سفيان‏)‏ الثوري عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما اوتي يعقوب بقميص يوسف - عليهما السلام - ولم ير فيه خرقا قال كذبتم لو اكله الذئب لخرق قميصه‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني الفضل بن دكين قال اخبرنا زكريا بن ابي زائدة عن عامر الشعبي قال كان في قميص يوسف -عليه السلام- ثلاث ايات حين قد قميصه من دبر وحين القي على وجه ابيه فارتد بصيرا وحين جاؤوا بالدم عليه وليس فيه شق علم انه كذب لانه لو اكله الذئب لخرق قميصه ومما يشهد بهذا قوله تعالى ‏(‏ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين‏)‏ ‏[‏يوسف 26‏]‏‏.‏

27 وهذا اصل فيما ذكرنا في كل ما يشبهه والله اعلم وبالله التوفيق وقال بن القاسم لا يستحلف المدعى عليه القصاص ولا الضرب بالسوط وما اشبهه الا ان ياتي بشاهد واحد عدل فيستحلف له كالطلاق والعتق اذا جاءت المراة او العبد بشاهد ‏(‏ واحد‏)‏ عدل استحلف الزوج او السيد ما طلق ولا اعتق قال ابو عمر قال الشافعي وابو حنيفة وأصحابهما والثوري واحمد واسحاق وابو ثور كل من ادعى حقا على غيره ولم يكن له بينة استحلف المدعى عليه في كل ما يستحق من الحقوق كلها وحجتهم حديث بن ابي مليكة عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏لو اعطي قوم بدعواهم لادعى اقوام دم اقوام واموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ومن رواة هذا الحديث من لا يذكر فيه البينة على المدعي وانما يقول اليمين على المدعى عليه‏)‏ حدثني احمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني الحارث بن ابي اسامة ومحمد بن إسماعيل الصائغ قالا حدثني يحيى بن ابي بكير قال حدثني نافع بن عمر - يعني الجمحي - عن بن ابي مليكة قال كتبت إلى بن عباس في امراتين كانتا تجوزان في البينة واخرجت احداهما يدها تشخب دما فقالت اصابتني هذه وانكرت الاخرى فكتب الي بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان اليمين على المدعى عليه وقال ‏(‏لو ان الناس اعطوا بدعواهم لادعى قوم دم قوم واموالهم‏)‏ وذكر تمام الخبر‏.‏

وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر‏.‏

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم عن سفيان قال حدثني بكير بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني ابو الاخوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن ابيه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي يا رسول الله ‏!‏ ان هذا غلبني على ارض لي كانت لابي فقال الكندي هي ارضي في يدي ازرعها ليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي ‏(‏الك بينة‏)‏ فقال لا قال ‏(‏فلك يمينه‏)‏ وذكر تمام الحديث وليس في شيء من الاثار المسندة ما يدل على اعتبار الخلطة وقال إسماعيل انما معنى قوله عليه السلام ‏(‏اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي‏)‏ انه لا يقبل قول المدعي فيما يدعيه مع يمينه وان المدعى عليه يقبل قوله مع يمينه ان لم يقم عليه بينة لانه اراد بذلك العموم في كل من ادعي عليه دعوى ان عليه اليمين فجاء - رحمه الله - بعين المحال والى الله ارغب في السلامة على كل حال واما قوله في حديث وائل بن حجر ‏(‏الك بينة‏)‏ ففيه ان الحاكم يبدا بالمدعي فيساله هل لك بما تدعيه بينه ولا يسال المدعى عليه حتى يسمع ما يقول المدعي وهذا ما لا يختلفون فيه‏.‏

باب القضاء في شهادة الصبيان

1394- مالك عن هشام بن عروة ان عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح ولا تجوز على غيرهم وانما تجوز شهادتهم فيما بينهم من الجراح وحدها لا تجوز في غير ذلك اذا كان ذلك قبل ان يتفرقوا او يخببوا او يعلموا فان افترقوا فلا شهادة لهم الا ان يكونوا قد اشهدوا العدول على شهادتهم قبل ان يفترقوا وذكر احمد بن المعدل عن عبد الملك قال لم يزل من امر الناس قديما وهو مجتمع عليه من راي اصحابنا في شهادة الصبيان ان يؤخذ بها ما لم يتفرقوا او يخببوا قال عبد الملك ولا تجوز منهم ‏(‏الا‏)‏ شهادة اثنين فصاعدا من الذكور او غلام وجاريتين قال ولا تكون اليمين مع شهادة الصبيان وانما اليمين مع الشاهد الواحد ولا يجوز من الصبيان واحد وهذا كله قول بن القاسم ايضا قال ابو عمر قد ذكرنا اختلاف اصحاب مالك في شهادة الجواري في الجراح وشهادة الصبيان العبيد في ذلك في كتاب اختلافهم واختلاف قول مالك ولم يختلفوا ان شهادة الصبيان الاحرار جائزة في الجراح اذا لم يحضرهم كبير فان حضر معهم كبير لم تجز شهادتهم عندهم لانه لا تجوز عندهم شهادة الصبيان حيث يكون الرجال وقال بن حبيب لا نعلم خلافا ان شهادة الصبيان لا تجوز حيث ‏(‏يكون الرجال‏)‏ الكبار العدول وقاله سحنون وقد روي انه اجازها وقال بن القاسم تجوز شهادة الصبيان في القتل والجراح اذا كانوا ذكورا قبل ان يتفرقوا قال سحنون وقال غير واحد من كبار اصحاب مالك لا تجوز شهادتهم في القتل وانما تجوز في الجراح قال ابو عمر اختلف عن بن الزبير في اجازه شهادة الصبيان والاصح عنه انه كان يجيزها اذا جيء بهم من حال حلول المصيبة ونزول النازلة واما بن عباس فلم يختلف عنه انه لم يجزها وكان لا يراها شيئا وروي عن علي - رضي الله عنه - انه كان ‏(‏يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض‏)‏ اذا اتوا في الحال قبل ان يعلمهم اهلوهم ولا يجيزها على الرجال والطرق عنه بذلك ضعيفة وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابي جعفر محمد بن علي بن حسين وعامر الشعبي وبن ابي ليلى وبن شهاب الزهري وابراهيم النخعي على اختلاف عنه الا انه ليست الروايات عنهم لم تذكر جراحا ولا غيرها الا اجازتها فيما بينهم مطلقة‏.‏

وقال الشافعي وابو حنيفة وأصحابهما وبن شبرمة والثوري لا تجوز شهادة الصبيان في شيء من الاشياء لا في جراح ولا غيرها بحال وان لم يتفرقوا قالوا وانما امر الله - عز وجل - بشهادة من يرضى وكيف تقبل شهادة من اذا فارق مكانه لم يؤمن عليه ان يعلم ويخبب ومن لا يرضى الله عليه في الشهادة فان قيل ان بن الزبير اجازها قيل له بن عباس ردها والقران يدل على ابطالها قال ابو عمر من حجة من لم يجزها ولم يرها شيئا ظاهر قول الله - عز وجل ‏(‏واشهدوا ذوى عدل منكم‏)‏ ‏[‏الطلاق 2‏]‏‏.‏

وقوله تعالى ‏(‏واستشهدوا شهيدين من رجالكم‏)‏ ‏[‏البقرة 282‏]‏‏.‏

ثم قال تعالى ‏(‏ممن ترضون من الشهداء‏)‏ ‏[‏البقرة 282‏]‏‏.‏

والصبي ليس بعدل ولا رضي وقال عز وجل في الشهادة ‏(‏ومن يكتمها فانه اثم قلبه‏)‏ ‏[‏البقرة 283‏]‏‏.‏

وليس الصبي كذلك لانه غير مكلف فدل على انه ليس من اهل الشهادة بنص القران والله المستعان ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال اخبرني عبد الله بن ابي مليكة انه ارسل إلى بن عباس وهو قاض لابن الزبير يساله عن شهادة الصبيان فقال لا ارى ان تجوز شهادتهم انما امر الله تعالى ممن يرضى والصبي ليس برضي قال واخبرنا معمر عن ايوب عن بن ابي مليكة انه كان قاضيا لابن الزبير فارسل إلى بن عباس يساله عن شهادة الصبيان فلم يجزها ولم يرها شيئا قال معمر وسمعت من يقول تكتب شهادتهم ثم تقر حتى يكبر الصبي ثم يوقف عليها فان حفظها جازت قالت واخبرنا بن جريج قال زعم إسماعيل بن محمد ويعقوب بن عتبة وصالح ان ليس لمن لم يبلغ الحلم شهادة وهو قول شريح القاضي والشعبي وبن ابي ليلى على اختلاف عنهم في ذلك وقول القاسم وسالم ومكحول وعطاء والحسن وبه قال احمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور والله الموفق‏.‏

باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم

1395- مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن ابي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من حلف على منبري اثما تبوا ‏(‏1‏)‏ مقعده من النار‏)‏ وهكذا قال مالك هاشم بن هاشم وهو هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة بن ابي وقاص الزهري روى عنه ‏(‏مالك‏)‏ ابو ضمرة - انس بن عياض - ومكي بن ابراهيم وشجاع بن الوليد ابو بدر السكوني وقد قيل ان هاشم بن هاشم الذي روى عنه مالك هو ابو هاشم بن هاشم وقد جعلهما ابو حاتم الرازي واحدا فقال ‏(‏هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة بن ابي وقاص الزهري روى عن سعيد بن المسيب وعامر بن سعد وعبد الله بن نسطاس روى عنه مالك والدراوردي وانس بن عياض ومروان الفزاري ومكي بن ابراهيم‏)‏ واما عبد الله بن نسطاس فهذلي تابعي ثقة قال مصعب كان ابوه - نسطاس - مولى ابي بن خلف ادرك الجاهلية وقال بن بكير والقعنبي وبن القاسم وطائفة في هذا الحديث ‏(‏من حلف على منبري هذا فاليمين ائمة‏)‏ والمعنى في ذلك سواء وهو اشتراط الاثم في الوعيد دون ‏(‏البر‏)‏ ومذهبنا في الوعيد كله ‏(‏ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏)‏ ‏[‏النساء 48‏]‏‏.‏

ومثل هذا في الوعيد حديث مالك في هذا الباب ايضا‏.‏

1396- عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب السلمي عن اخيه عبد الله بن كعب بن مالك الانصاري عن ابي امامة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة واوجب له النار‏)‏ قالوا وان كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال ‏(‏وان كان قضيبا من اراك وان كان قضيبا من اراك وان كان قضيبا من اراك‏)‏ قالها ثلاث مرات وهذا ايضا وعيد شديد عام يدخل فيه اقتطاع الحقوق عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وغير منبره قال مالك - رحمه الله ‏(‏على منبري‏)‏ يريد عند منبري قال ابو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من حلف على منبري‏)‏ تخصيص منه لمنبره صلى الله عليه وسلم بذلك الوعيد الشديد وفصل له ثم عمم صلى الله عليه وسلم ما في اقتطاع المرء المسلم بالوعيد ايضا - عصمنا الله ووفقنا لما يرضاه وقد روى عبد الله بن مسعود والاشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا المعنى في اقتطاع مال المسلم ولم يذكر منبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره‏.‏

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع قال حدثني الاعمش عن ابي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها كاذب لقي الله تعالى وهو عليه غضبان‏)‏ قال فدخل الاشعث بن قيس فقال ما يحدثكم ابو عبد الرحمن قلنا كذا وكذا قال ‏(‏صدق‏)‏ في نزلت كان بيني وبين رجل خصومة في ارض فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏بينتك‏)‏ فلم تكن لي بينة فقال له ‏(‏احلف‏)‏ قلت اذن يحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فنزلت ‏(‏ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا اولئك‏)‏ الاية ال عمران 77 ورواه منصور عن ابي وائل مثله بمعناه‏.‏

باب جامع ما جاء في اليمين على المنبر

1397- مالك عن داود بن الحصين انه سمع ابا غطفان بن طريف المري يقول اختصم زيد بن ثابت الانصاري وبن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم وهو امير على المدينة فقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين على المنبر فقال زيد بن ثابت احلف له مكاني قال فقال مروان لا والله الا عند مقاطع الحقوق قال فجعل زيد بن ثابت يحلف ان حقه لحق ويابى ان يحلف على المنبر قال فجعل مروان بن الحكم يعجب من ذلك قال مالك لا ارى ان يحلف احد على المنبر على اقل من ربع دينار وذلك ثلاثة دراهم قال ابو عمر جملة مذهب مالك في هذا الباب ان اليمين لا تكون عند المنبر من كل جامع ولا في الجامع حيث كان الا في ربع دينار - ثلاثة دراهم فصاعدا او في عرض يساوي ثلاثة دراهم وما كان دون ذلك حلف فيه في مجلس الحاكم او حيث شاء من المواضع في السوق وغيرها قال مالك يحلف المسلم في القسامة واللعان وفيما له بال من الحقوق على ربع دينار فصاعدا في جامع بلده في اعظم مواضعه وليس عليه التوجه إلى القبلة هذه رواية بن القاسم وروى بن الماجشون عن مالك انه يحلف قائما مستقبل القبلة قال ولا يعرف مالك اليمين عند المنبر الا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط يحلف عنده في ربع دينار فاكثر قال مالك ومن ابى ان يحلف على المنبر فهو كالناكل عن اليمين ويحلف في ايمان القسامة عند مالك إلى مكة كل من كان من عملها فيحلف بين الركن والمقام ويحلف في ذلك إلى المدينة من كان من عملها فيحلف عند المنبر ومذهب الشافعي في اليمين بين الركن والمقام بمكة وعند منبر النبي -عليه السلام- بالمدينة نحو مذهب مالك الا ان الشافعي لا يرى اليمين عند المنبر بالمدينة ولا بين الركن والمقام بمكة الا في عشرين دينارا فصاعدا وذكر عن سعيد بن سالم القداح عن بن جريج عن عكرمة قال ابصر عبد الرحمن بن عوف قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال اعلى دم قيل لا فقال على عظيم من الاموال قالوا لا قال لقد خشيت ان يتهاون الناس بهذا المقام هكذا رواه الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي ‏(‏يتهاون الناس‏)‏ ورواه المزني والربيع في كتاب اليمين مع الشاهد فقالا فيه لقد خشيت ان يبها الناس بهذا المقام وهو الصحيح عندهم ومعنى يبها يانس الناس به يقال بهات به أي انست به قال ومنبر النبي -عليه السلام- في التعظيم مثل ذلك لما ورد فيه من الوعيد على من حلف عنده بيمين كاذبة تعظيما له قال الشافعي وبلغني ان عمر بن الخطاب حلف عند المنبر في خصومة كانت بينه وبين رجل وان عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فافتدى منها وقال اخاف ان يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه قال الشافعي واليمين على المنبر ما لا خلاف فيه عندنا بالمدينة ومكة في قديم ولا حديث قال ابو عمر اليمين عند المنبر مذهب الشافعي واصحابه في كل البلدان - قياسا على العمل من الخلف والسلف بالمدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي وقد عاب قولنا هذا عائب ترك فيه موضع حجتنا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاثار بعده عن اصحابه وزعم ان زيد بن ثابت كان لا يرى اليمين على المنبر وانا روينا ذلك عنه وخالفناه إلى قول مروان بن الحكم بغير حجة قال وهذا مروان يقول لزيد - وهو عنده احظى اهل زمانه وارفعهم لديه منزلة - ‏(‏لا والله الا عند مقاطع الحقوق‏)‏ قال فما منع زيد بن ثابت لو يعلم ان اليمين على المنبر حق ان يقول لمروان ما هو اعظم من هذا وقد قال له اتحل الربا يا مروان فقال مروان اعوذ بالله وما هذا فقال فالناس يتبايعون الصكوك قبل ان يقبضوها فبعث مروان الحرس ينتزعونها من ايدي الناس فاذا كان مروان لا ينكر على زيد هذا فكيف ينكر على نفسه ان يلزمه اليمين على المنبر ‏!‏ لقد كان زيد من اعظم اهل المدينة في عين مروان واثرهم عنده ولكن زيدا علم ان ما قضى به مروان حق وكره ان تصبر يمينه عند المنبر قال الشافعي وهذا الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي نقل الحديث فيه كانه تكلف لاجتماعنا على اليمين عند المنبر لقد كان زيد من اعظم اهل المدينة ثم ذكر احاديث عن السلف من الصحابة في اليمين عند المنبر منها الحديث عن المهاجر بنابي امية قال كتب الي ابو بكر رضي الله عنه ان ابعث الي بقيس بن مكشوح في وثاق فبعثت إليه به فجعل قيس يحلف ما قتل داذويه فاحلفه ابو بكر خمسين يمينا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله ما قتله ولا علم له قاتلا ثم عفا عنه قال ابو عمر واما اختلاف الفقهاء في اليمين عند المنبر بالمدينة وغيرها من البلدان وبمكة بين الركن والمقام فقد ذكرنا عن مالك والشافعي في ذلك ما بان به ما ذهبا إليه هما واصحابهما وقال بن ابي اويس قال مالك في الايمان التي تكون بين الناس في الدماء واللعان والحقوق لا يحلف فيها عند منبر الا عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة في الدماء واللعان والحقوق فيما بلغ ثلاثة دراهم من الحقوق واما سائر المساجد فانهم يحلفون فيها ولا يحلفون عند منابرها واما ابو حنيفة فذكر الجوزجاني وغيره عن ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد قالوا لا يجب الاستحلاف عند منبر صلى الله عليه وسلم على احد ولا بين الركن والمقام على احد في قليل الاشياء ولا كثيرها ولا في الدماء ولا في غيرها ولكن الحكام يحلفون من وجبت عليه اليمين في مجالسهم‏.‏